الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية ***
اعلم أن الأصل في المتلفات ضمان المثل بالمثل, والمتقوم بالقيمة, وخرج عن ذلك صور تعرف مما سنذكره. والحاصل أن المضمونات أنواع: الأول: الغصب: فالمثل في المثلي, والقيمة في المتقوم, لا أعلم فيه خلافا. الثاني: الإتلاف بلا غصب, وهو كذلك. وخرج عنهما صور: أحدها المثلي الذي خرج مثله عن أن تكون له قيمة, كمن غصب أو أتلف ماء في مفازة, ثم اجتمعا على شط نهر, أو في بلد أو أتلف عليه الجمد في الصيف واجتمعا في الشتاء, فليس للمتلف بدل المثل بل عليه قيمة المثل في مثل تلك المفازة, أو في الصيف. ثانيها الحلي. أصح الأوجه: أنه يضمن مع صنعته بنقد البلد وإن كان من جنسه, ولا يلزم من ذلك الربا; لأنه يجري في العقود, لا في الغرامات. ثالثها الماشية إذا أتلفها المالك كلها بعد الحول, وقبل إخراج الزكاة فإن الفقراء شركاؤه, ويلزمه حيوان آخر, لا قيمته جزم به الرافعي, وغيره بخلاف ما لو أتلفها أجنبي. رابعها طم الأرض, كما جزم به الرافعي. خامسها إذا هدم الحائط, لزمه إعادته لا قيمته كما هو مقتضى كلام الرافعي وأجاب به النووي في فتاويه, ونقله عن النص. سادسها اللحم, فإنه يضمن بالقيمة. كما صححه الرافعي وغيره في باب الأضحية مع أنه مثلي. سابعها الفاكهة; فإنها مثلية, على ما اقتضاه تصحيحهم في الغصب. والأصح: أنها تضمن بالقيمة. ثامنها لو صار المتقوم مثليا بأن غصب رطبا, وقلنا: إنه متقوم, فصار تمرا وتلف. قال العراقيون: يلزمه مثل التمر. وقال الغزالي: يتخير بين مثل التمر, وقيمة الرطب. وقال البغوي: إن كان الرطب أكثر قيمة: لزمه قيمته, وإلا لزمه المثل قال السبكي: وهو أشبه. وبقي صور متردد فيها. منها: لو سجر التنور ليخبز فصب عليه آخر ماء أطفأه ففيه أوجه, حكاها الزبيري في المسكت, وغيره. أحدها يلزمه قيمة الحطب وليس ما غصب ولا قيمته; لأنه غصب خبزا وما أشبه هذا القول بما حكم به سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام في قصة صاحب الغنم التي أكلت زرع الرجل, فحكم سيدنا داود عليه السلام لصاحب الزرع برقاب الغنم. فقال سليمان: بل ينتفع بدرها, ونسلها, وصوفها إلى أن يعود الزرع كما كان بإصلاح صاحب الغنم فيردها إليه وذلك معنى قوله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ}. والثاني: عليه أن يسجر التنور, ويحميه كما كان. والثالث عليه قيمة الجمر. والرابع عليه الخبز. واستشكل الأول بأنه لم يستهلك الحطب وإنما أتلف الجمر بعد خروجه فهو كمن أحرق ثوبا ليتخذ رماده حراقا فأتلفه رجل, لا تجب عليه قيمة الثوب قبل الإحراق. والثالث بأنه الجمر لا قيمة له معروفة ولا يكال ولا يوزن. قال الزبيري: والأقرب وجوب قيمة الجمر; لأن له قيمة. ومنها: لو برد ماء في يوم صائف فألقى فيه رجل حجارة محماة فأذهب برده ففي وجه لا شيء عليه; لأنه ماء على هيئته وتبريده ممكن. وفي آخر يأخذه المتعدي ويضمن مثله باردا. وفي ثالث ينظر إلى ما بين القيمتين في هذه الحالة ويضمن التفاوت, ذكره الزبيري أيضا. قلت: أحسنها الثالث. ومنها: لو بل خيشا لينتفع به فأوقد آخر تحته نارا حتى نشف. قيل لا شيء عليه سوى الإثم. وقيل: عليه قيمة الماء الذي بل به. وقيل: بل قيمة الانتفاع به مدة بقائه باردا. قال الزبيري: وهذا أعدلها. النوع الثالث: المبيع إذا تقايلا وهو تالف وفيه المثل في المثلي والقيمة في المتقوم, جزم به الشيخان. الرابع: الثمن إذا تلف ورد المبيع بعيب أو غيره, فيه المثل في المثلي والقيمة في المتقوم جزما به أيضا. الخامس: اللقطة: إذا جاء مالكها بعد التملك, وهي تالفة فيها المثل في المثلي, والقيمة في المتقوم, جزما به أيضا. السادس: المبيع: إذا تخالفا وفسخ, وهو تالف: أطلق الشيخان وجوب القيمة فيه, فشمل المثلي وغيره, وهو وجه صححه الماوردي. والمشهور كما قال في, المطلب: وجوب المثل في المثلي. السابع: المقبوض بالشراء الفاسد إذا تلف, أطلق الشيخان وجوب القيمة فيه, فيشمل المثلي وغيره; وهو وجه صححه الماوردي. وادعى الروياني: الاتفاق عليه. وقال في المهمات: إنه غريب مردود والذي نص عليه الشافعي وجوب المثل في المثلي. قال: وهو القياس. وقال في شرح المنهاج: إنه الصحيح, وسبقه إلى ذلك السبكي. الثامن: القرض, وفيه: المثل بالمثلي وكذا في المتقوم على الأصح. واستثنى الماوردي نحو الجوهر, والحنطة المختلطة بالشعير. إن جوزنا فرضهما, فإنهما يضمنان بالقيمة, وصوبه السبكي. التاسع: ما أداه الضامن عن المضمون عنه, حيث ثبت الرجوع, فإن حكمه حكم القرض حتى يرجع في مثل المتقوم صورة. العاشر: العارية : أطلق الشيخان وجوب القيمة فيها, فشمل المتقوم والمثلي, وصرح بذلك الشيخ في المهذب والماوردي. وجزم ابن أبي عصرون في كتبه كلها بوجوب المثل في المثلي. وقال في بعضها إنه أصح الطريقين وصححه السبكي.
تنبيه: المستعار للرهن يضمن في وجه, حكاه الرافعي عن أكثر الأصحاب: بالقيمة. وفي وجه, وصححه جماعة, وصوبه النووي في الروضة: بما بيع به, ولو كان أكثر من القيمة. فيستثنى ذلك من ضمان العارية بالقيمة. الحادي عشر: المستام, وفيه القيمة مطلقا. الثاني عشر: المعجل في الزكاة: إذا ثبت استرداده, وهو تالف, وفيه المثل, أو القيمة جزم به الشيخان, لكن صحح السبكي: أنه يضمن بالمثل, وإن كان متقوما. الثالث عشر: الصداق: إذا تشطر, وهو تالف: وفيه المثل, أو القيمة جزم به الشيخان.
الرابع عشر: إذا تشطر وهو معيب فأطلق الشيخان وجوب نصف القيمة سليما. قال في المهمات: هذا في المتقوم. أما المثلي: ففيه نصف المثل صرح به ابن الصباغ وجزم به في المطلب. الخامس عشر: الصيد إذا تلف في الحرم أو الإحرام, وفيه المثل صورة, والقيمة فيما لا مثل له وسلب العامل في صيد حرم المدينة على القديم, واختاره النووي. السادس عشر: لبن المصراة وفيه التمر, لا مثله, ولا قيمته. قال بعضهم: ليس لنا شيء يضمن بغير النقد, إلا في مسألتين. إحداهما لبن المصراة, والأخرى: إذا جني على عبد فعتق, ومات ضمن للسيد الأقل من الدية, ونصف القيمة من إبل الدية. بيان المثلي والمتقوم: في ضبط المثلي أوجه: أحدها كل مقدر بكيل أو وزن ونقض بالمعجونات المتفاوتة الأجزاء, وما دخلته النار, والأواني المتخذة من النحاس فإنها موزونة, وليست مثلية. الثاني: ما حصر بكيل أو وزن, وجاز السلم فيه, وهو الذي صححه في المنهاج, والروضة وأصلها. الثالث: كل مكيل وموزون جاز السلم فيه, وبيع بعضه ببعض, فيخرج منه الدقيق والرطب; والعنب واللحم, واللبن الحامض, ونحوها. الرابع: ما يقسم بين الشريكين من غير تقويم. ونقض بالأرض المتساوية, فإنها تقسم, وليست مثلية. الخامس: ما لا يختلف أجزاء النوع الواحد منه بالقيمة, وربما قيل في الجرم والقيمة. وهذا سرد المثليات: الحبوب, والأدهان, والسمن, والألبان, والمخيض الخالص, والتمر والزبيب ونحوهما والماء, والنخالة والبيض والورق والخل الذي لا ماء فيه والدراهم والدنانير الخالصة وعلى الأصح: الدقيق والبطيخ والقثاء والخيار, وسائر البقول, والرطب والعنب, وسائر الفواكه الرطبة, واللحم الطري والقديد والتراب, والنحاس والحديد, والرصاص والتبر والسبائك من الذهب, والفضة, والمسك, والعنبر والكافور, والثلج; والجمد والقطن, والسكر; والفانيد والعسل المصفى بالنار, والإبريسم, والغزل, والصوف والشعر والوبر, والنفط والعود والآجر, والدراهم المغشوشة إن جوزنا التعامل بها, والمكسرة. هذا ما في الروضة وأصلها والمطلب. تقسيم ثان: المضمونات: أقسام: أحدها ما يضمن ضمان عقد قطعا وهو: ما عين في صلب عقد بيع أو سلم أو إجارة أو صلح. الثاني: ما هو ضمان يد قطعا كالعواري والمغصوب, ونحوها. الثالث: ما فيه خلاف والأصح: أنه ضمان عقد كمعين الصداق والخلع والصلح عن الدم وجعل الجعالة. الرابع: عكسه, وذلك في صور العلج. والفرق بين ضمان العقد واليد: أن ضمان العقد مرده: ما اتفق عليه المتعاقدان, أو بدله. وضمان اليد مرده المثل أو القيمة. قاعدة: ما ضمن كله ضمن جزؤه بالأرش إلا في صور: إحداها المعجل في الزكاة. الثانية الصداق الذي تعيب في يد الزوجة قبل الطلاق. الثالثة: المبيع إذا تعيب في يد البائع وأخذه المشتري ناقصا, لا أرش له في الأصح. الرابعة: إذا رجع فيما باعه بإفلاس المشتري, ووجده ناقصا بآفة أو إتلاف البائع فلا أرش له. الخامسة: القرض إذا تعيب ورجع فيه المقرض لا أرش له بل يأخذه ناقصا, أو مثله. قاعدة: أسباب الضمان أربعة: أحدها: العقد, كالمبيع, والثمن المعين قبل القبض والسلم, والإجارة. الثاني: اليد مؤتمنة كانت كالوديعة, والشركة, والوكالة, والمقارضة إذا حصل التعدي, أو لا, كالغصب, والسوم, والعارية, والشراء فاسدا. الثالث: الإتلاف نفسا, أو مالا. ويفارق ضمان اليد: في أنه يتعلق الحكم فيه بالمباشر, دون السبب وضمان اليد يتعلق بهما. الرابع: الحيلولة. ما تؤخذ قيمته للحيلولة, وما لا تؤخذ. فيه فروع: الأول: المسلم فيه: إذا وجد المسلم إليه في مكان لا يلزم فيه الأداء وفيه وجهان. الصحيح: لا تؤخذ; لأن أخذ العوض عنه غير جائز. الثاني إذا قطع صحيح الأنملة الوسطى ممن لا عليا له فهل له طلب الأرش للحيلولة؟ وجهان: الصحيح: لا, حتى يعفو.
الثالث: إذا نقل المغصوب إلى بلد آخر وأبق, فللمالك المطالبة بالقيمة في الحال للحيلولة قطعا, فإذا رده ردها. الرابع: إذا ادعى عينا غائبة عن البلد وسمع القاضي البينة, وكتب بها إلى قاضي بلد العين ليسلمها للمدعى بكفيل, لتشهد البينة على عينها, ويؤخذ من الطالب القيمة للحيلولة قطعا. الخامس: إذا حال بين من عليه القصاص, ومستحق الدم, لا يؤخذ قطعا. السادس: إذا أقر بعين لزيد ثم بها لعمرو غرم له قيمتها في الأصح; لأنه حال, بينه وبينها بإقراره الأول. الكلام في أجرة المثل: تجب في مواضع. أحدها الإجارة في صور: منها: الفاسدة. ومنها: أن يعير فرسه ليعلفه أو ليعيره فرسه. ومنها: إذا حمل الدابة المستأجرة زيادة على ما استأجر له: تجب أجرة المثل لما زاد. ومنها: إذا اختلفا في قدر الأجرة أو المنفعة, أو غيرها وتحالفا: فسد العقد, ورجع إلى أجرة المثل. الثاني: المساقاة في صور: منها: الفاسدة كأن يساقيه على ودي ليغرسه, ويكون الشجر بينهما, أو ليغرسه في أرض نفسه, ويكون الثمر بينهما, أو يدفع إليه أرضا ليغرسها والثمر بينهما, أو يشرط الثمرة كلها للعامل, أو يشرط له جزءا منهما, أو مشاركة المالك أو غيرها في صور الإفساد. ويستثنى: ما إذا شرط الثمرة كلها للمالك, فلا شيء للعامل في الأصح. وكذا نظيره في القراض. ومنها: إذا خرج الثمر مستحقا, فللعامل على الساقي أجرة المثل. ومنها: إذا فسخ العقد بتحالف, أو هرب العامل, وتعذر الإتمام. الثالث: القراض إذا فسد سواء ربح المال أم لا إلا في الصورة السابقة, وإذا اختلفا وتحالفا. الرابع: الجعالة إذا فسدت أو فسخ الجاعل بعد الشروع في العمل, أو تحالفا. الخامس: الشركة كذلك. السادس: منافع الأموال إذا فاتت في يد عادية غصبا: أو شراء فاسدا, أو غيرهما تجب فيها أجرة المثل سواء استوفيت, أم لا. وأما منفعة الحر: فلا يضمن بها إلا بالاستيفاء. السابع: إذا استخدم عبده المتزوج, غرم له الأقل من أجرة مثله, وكل المهر والنفقة. وقيل: يلزمه المهر والنفقة بالغا ما بلغ; لأنه لو خلاه ربما كسب ما يفي بهما. ونظير ذلك: إذا أراد فداء العبد الجاني يلزمه الأقل من قيمته, وأرش الجناية وفي قول: الأرش بالغا ما بلغ لأنه لو سلمه للبيع ربما رغب فيه راغب بما يفي به. الثامن: عامل الزكاة يستحق أجرة مثل عمله, حتى لو حمل أصحاب الأموال زكاتهم إلى الإمام فلا شيء له, وإن بعثه استحقها بلا شرط. فإن زاد سهم العاملين عليها; رد الفاضل على الأصناف, وإن نقص كمل من مال الزكاة. فرع مهم: أفتى ابن الصلاح فيمن أجر وقفا بأجرة شهدت البينة بأنها أجرة مثله ثم تغيرت الأحوال وطرأت أسباب توجب زيادة أجرة المثل: بأنه يتبين بطلان العقد, وأن الشاهد لم يصب في شهادته. واحتج بأن تقويم المنافع في مدة ممتدة, إنما يصح إذا استمرت الحال الموجودة, حالة التقويم. أما إذا لم تستمر, وطرأ في أثناء المدة أحوال تختلف بها قيمة المنفعة; فيتبين أن المقوم لها لم يطابق تقويمه المقوم. قال: وليس هذا كتقويم السلع الحاضرة. قال: وإذا ضم ذلك إلى قول من قال من الأصحاب: إن الزيادة في الأجرة تفسخ العقد كان قاطعا لاستبعاد من لم ينشرح صدره, لما ذكرناه. قال: فليعلم ذلك, فإنه من نفائس النكت. وقال الشيخ تاج الدين السبكي: ما أفتى به ابن الصلاح ضعيف, فإن الشاهد إنما يقوم بالنسبة إلى الحالة الراهنة, ثم ما بعدها تبع لها مسبوق عليه حكم الأصل. قال: فالتحقيق أن يقال: إن لم تتعين القيمة ولكن ظهر طالب بالزيادة لم. ينفسخ العقد والقول بانفساخه ضعيف, وإن تغيرت فالإجارة صحيحة إلى وقت التغير. وكذا بعده فيما يظهر ولا يظهر خلافه. الكلام في مهر المثل: الأصل في اعتباره: حديث أبي سنان الأشجعي: أنه صلى الله عليه وسلم: "قضى في بروع بنت واشق وقد نكحت بغير مهر فمات زوجها: بمهر نسائها" أخرجه أبو داود والترمذي, والنسائي, وابن حبان والحاكم, وغيرهم. وقال سعيد بن منصور في سننه: حدثنا خالد بن عبد الله: عن يونس عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في امرأة توفي عنها زوجها, ولم يفرض, لها صداقا: "لها مثل صداق نسائها". قال الأصحاب, مهر المثل: هو الذي يرغب به في مثلها, وركنه الأعظم: النسب فينظر إلى نساء عصبتها, وهن المنتسبات إلى من تنتسب هذه إليه وتقدم القربى, والشقيقة فأقربهن: الأخوات لأبوين, ثم لأب, ثم بنات الإخوة, ثم العمات ثم بنات الأعمام كذلك, فإن فقدن, فنساء الأرحام, كالجدات والخالات. والمراد بالفقد: أن لا يوجدن أصلا, أو لم ينكحن, أو جهل مهرهن. ولا يتعذر اعتبارهن بموتهن. فإن فقد الأرحام, فمثلها من الأجانب. وتعتبر العتيقة بعتيقة مثلها, وينظر إلى شرف سيدها, وخسته, ويعتبر البلد, والصفات المرغبة: كالعفة والجمال, والسن, والعقل, واليسار, والبكارة, والعلم والفصاحة والصراحة, وهي شرف الأبوين. ومتى اختصت بفضل أو نقص, ليس في النسوة المعتبرات مثله, زيد أو نقص بقدر ما يليق به, كما في نظيره إذا كان الجنين سليما, والأم ناقصة. ويعتبر غالب عادة النساء, فلو سامحت واحدة لم يجب موافقتها, إلا أن يكون لنقص دخل في النسب, وفترة الرغبات. ولو خفضن للعشيرة دون غيرهم أو عكسه اعتبر ذلك. هذا ما في الروضة وأصلها. وفيه أمور ينبه عليها. منها: أن الأصحاب استدلوا على اعتبار نساء العصبة بقوله: "مهر نسائها"; لأن إطلاق هذا اللفظ ينصرف إليهن. ونازع فيه صاحب الذخائر: بأن النساء من الجانبين نساؤها. قال: بل نقول هو عام فيها, وخص بالمعنى; لأن مهر المثل قيمة البضع, وتعرف قيمة الشيء بالنظر إلى أمثاله, وأمثالها نساء عشيرتها المساويات لها في نسبها; لأن النسب معتبر في النكاح. والغالب: أنه إذا ثبت مقدار في عشيرة, جرت أنكحتهم عليه أن من لا ينتمي إلى نسبها, لا يساويها فيه. ومنها: أن مقتضى ما تقدم, الانتقال بعد بنات الأخ إلى العمات, ولا تعتبر بنات بني الأخ, وليس كذلك, بل المراد تقديم جهة الأخوة على جهة العمومة كما صرح به الماوردي. ومنها: المراد بالأرحام هنا قرابات الأم لا المذكورون في الفرائض; لأن الجدة أم الأم ليست منهن قطعا. ومنها: أن الماوردي وسط بين نساء العصبة والأرحام بالأم والجدة. ومنها: اعتبر ابن الصباغ مع ذلك كونهن من أهل بلدها, وحكاه الماوردي عن النص; لأنه قيمة متلف فيعتبر محل الإتلاف. والذي في الروضة وأصلها: اعتبار ذلك إذا كان لها أقارب في بلدها وأقارب في غيرها, فإن لم يكن في بلدها أقارب, قدم أقارب غير بلدها, على أجانب بلدها. ومنها: يعتبر حال الزوج أو الواطئ أيضا, من اليسار والعلم والعفة والنسب صرح به صاحب الكافي وغيره. ومنها: ذكر ابن الرفعة أن المعتبر من الأقارب ثلاث, وتوقف فيما إذا لم يكن إلا واحدة أو ثنتان. المواضع التي يجب فيها مهر المثل: هي سبعة. الأول: النكاح إذا لم يسم الصداق, أو تلف المسمى قبل قبضه; أو بعضه, أو تعيب, أو وجدته معيبا واختارت الفسخ أو بان مستحقا أو فسد لكونه غير مملوك كحر ومغصوب أو مجهولا أو شرط الخيار فيه, أو شرط في العقد شرط يخل بمقصوده الأصلي كأن لا يتزوج عليها أو نكح على ألف إن لم يسافر بها وألفين إن سافر, وعلى أن لأبيها ألفا, أو تضمن الربا كزوجتك بنتي وبعتك هذه المائة من مالها بهاتين المائتين, أو جمع نسوة بمهر واحد, أو تضمن إثباته دفعه كأن يزوج ابنه بامرأة ويصدقها أمة; لأنه يتضمن دخولها أولا في ملك الابن; فتعتق, فلا تنتقل إلى الزوجة صداقا. أو بعقد المجبر أو ولي السفيهة بأقل من مهر المثل, أو لابنه أو السفيه بأكثر, أو يخالف ما أمرت به الرشيدة, أو يفسخ بعد الدخول بعيب أو تغرير, أو اختلفا في المهر أو تحالفا, أو نكحها على ما يتفقان عليه في ثاني الحال, أو أسلما وقد عقدا على فاسد, ولم يقبضاه, أو زوجه ابنته بمتعة جاريته أو جاريته على أن يزوجه ابنته, ورقبتها صداقها, أو طلق زوجته على أن يزوجه ابنته, وبضعها صداقها. الموضع الثاني: الخلع: إذا فسد المسمى بغالب الصور المذكورة. الثالث: الوطء في غير نكاح صحيح: إما فاسد أو بشبهة أو إكراه, أو أمة ابنه أو مشتركة أو مكاتبة, أو زوجة رجعية أو مرتدة موقوفة في العدة, أو أمته المرهونة أو المشتراة فاسدا, أو في نكاح المتعة. الرابع: الرضاع إذا أرضعت أمه أو أخته, زوجته, أو الكبرى الصغرى, انفسخ النكاح وله على المرضعة نصف مهر المثل في الأظهر, وكله في الثاني. ولو أرضعت أم الكبرى الصغرى انفسختا, وله على المرضعة مهر المثل لأجل الكبرى ونصف للصغرى. الخامس: في رجوع الشهود بعد الشهادة بطلاق بائن, أو رضاع أو لعان وفرق القاضي, فإن الفراق يدوم وعليهم مهر مثل. وفي قول: نصفه إن كان قبل الوطء. الموضع السادس: الدعوى: إذا أقرت لأحد المدعيين بالسبق ثم للآخر, يجب له عليها مهر المثل أو للزوج أنه راجعها بعد ما تزوجت. السابع: إذا جاءت المرأة مسلمة, في زمن الهدنة, غرم لزوجها الكافر مهر مثلها, على قول مرجوح. وقت اعتباره ومكانه. يعتبر فيه الوطء بالشبهة يوم الوطء, وكذا في النكاح الفاسد. ولا يعتبر يوم العقد إذ لا حرمة له. وفي النكاح الصحيح: إذا لم يسم فيه ووطئ, هل يعتبر يوم الوطء, أو العقد, أو الأكثر من العقد إلى الوطء؟ أوجه أصحها في أصل الروضة, الثالث. وفي المنهاج والمحرر والشرح الصغير. الثاني. ونقله الرافعي: في سراية العتق عن الأكثرين. وإن مات وأوجبنا مهر المثل, وهو الأظهر فهل يعتبر يوم العقد, أو الموت, أو الأكثر؟ أوجه في أصل الروضة بلا ترجيح. وأما مكانه فيجب من نقد البلد حالا بقيمة المتلفات. ما يتعدد فيه وما لا يتعدد: لا يتعدد بتعدد الوطء في نكاح صحيح, كما هو معلوم, ولا في نكاح فاسد, أو شبهة واحدة. ومنه: وطء جارية الابن, والمكاتبة والمشتركة, على الأصح سواء اتحد المجلس أم لا. ويتعدد إن زالت الشبهة, ثم وطئ بشبهة أخرى وبالإكراه على الزنا, ووطء الغاصب والمشتري منه إن كان في حال الجهل, لم يتعدد; لأن الجهل بشبهة واحدة أو العلم, وهي مكرهة, فقد تقدم أنه يتعدد. وحيث قلنا بالاتحاد: اعتبر أعلى الأحوال. ومحله كما قال الماوردي: إذا لم يؤد المهر. فإن أدى قبل الوطء الثاني وجب مهر جديد. ومحله في المكاتبة: ما إذا لم تحمل, فإن حملت خيرت بين المهر والتعجيز فإن اختارت المهر ووطئت مرة أخرى, فلها مهر آخر. نص عليه الشافعي, كما نقله في المهمات. وعبارته: فإن أصابها مرة أو مرارا, فلها مهر واحد, إلا أن تتخير فتختار الصداق أو العجز. فإن خيرت, فعاد فأصابها السيد, فلها صداق آخر, وكلما خيرت فاختارت الصداق ثم أصابها فلها صداق آخر, كنكاح المرأة نكاحا فاسدا, يوجب مهرا واحدا. فإذا فرق بينهما وقضي بالصداق, ثم نكحها نكاحا آخر فلها صداق آخر. تنبيه: يجب مهران في وطء زوجة الأصل أو الفرع بشبهة إذا كانت مدخولا بها: مهر لها ومهر لزوجها لفواتها عليه بالانفساخ. ويجب مهر ونصف في غير المدخول بها, وهو غريب لا نظير له. ويقرب منه: إتلاف الصيد المملوك في الحرم أو الإحرام, فإن فيه الجزاء بالمثل لحق الله تعالى والقيمة لمالكه, وفي ذلك قال ابن الوردي: عندي سؤال حسن مستظرف فرع على أصلين قد تفرعا متلف مال برضى مالكه ويضمن القيمة والمثل معا ويشبه هذا الفرع: العبد المغصوب يجني بقدر قيمته, فيتلفه الغاصب, فإنه يضمن فيه قيمتين. لكن الجناية بالغصب لا بالإتلاف. مهمة: صحح الشيخان في الغصب وفي الوطء بشبهة أو إكراه: أنه إذا أزال البكارة بالوطء وجب مهر ثيب وأرش البكارة; وفي الرد بالعيب مهر بكر فقط, ثم يندرج الأرش. وفي البيع الفاسد: مهر بكر وأرش البكارة. قال السبكي: الغصب أولى, بلزوم ذلك من البيع الفاسد. وقال في المهمات: هذا الذي قالاه في غاية الغرابة حيث جزما في الشراء الفاسد بإيجاب زيادة لم نوجبها في الغصب, ولم يحكيا في إيجابها خلافا مع اختلافهم في أن البيع الفاسد هل يغلظ فيه, كما يغلظ في الغصب أم لا؟ وأما كونه أغلظ فلا قائل به. ضابط: ليس لنا مضمون يختلف باختلاف الضامنين إلا في مهر المثل: إذا خفض للعشيرة دون غيرهم أو بالعكس, ذكره الروياني.
اختصا بأحكام: الأول: لا يكره المشمس في أوانيهما على الأصح لصفاء جوهرهما. الثاني: يحرم: استعمال أوانيهما للحديث. والمعنى فيه: الخيلاء أو تضييق النقود؟ قولان أصحهما الأول. الثالث: يحرم الحلي منهما على الرجال, إلا ما يستثنى. الرابع: اختصا بوجوب الزكاة. الخامس: ويجريان الربا, فلا ربا في الفلوس, ولو راجت رواج النقود في الأصح واختص المضروب منهما بكونهما قيم الأشياء, فلا تقويم بغيرهما ولا يبيع القاضي والوكيل والولي مال الغير إلا بهما ولا يفرض مهر المثل إلا منهما, وبجواز عقد الشركة عليهما والقراض, وبامتناع استئجارهما للتزيين. واختص الذهب بحرمة التضبب منه على الأصح, وحرمة ما يجوز للرجل اتخاذه من الفضة, كالخاتم وحلية آلات الحرب, إلا السن والأنف والأنملة. قاعدة: الذهب والفضة: قيم الأشياء إلا في باب السرقة, فإن الذهب أصل والفضة عروض بالنسبة إليه, نص عليه الشافعي في الأم. وقال: لا أعرف موضعا تنزل فيه الدراهم منزلة العروض إلا في السرقة.
قال السبكي: اضطرب حكم المسكن والخادم. ففي مواضع يباعان. وفي آخر لا. وفي موضع: إن كان لا يعين بقيا, وإلا فلا. وفي آخر: يبدل النفيسان إن لم يؤلفا, انتهى. والمواضع التي ذكر فيها اثنا عشر موضعا: الأول: التيمم ولا يباعان فيه, صرح به ابن كج. وقال في الكفاية: إنه المتجه. وقال السبكي: إنه القياس, وقال الأسنوي: إنه الظاهر. الثاني: ستر العورة, ولا يباعا أيضا. قال السبكي: وفاقا لابن كج, وخلافا لابن القطان. قال في الخادم: كل موضع أوجب الشرع فيه صرف مال في حق الله يجب كونه فاضلا عن الخادم, كما يأتي في الفطرة, والحج, ونحوهما. الثالث: الفطرة, ولا يباعا أيضا على الأصح كالكفارة. وفي وجه: نعم; لأن للكفارة بدلا. وعلى الأول: إنما يعتبر ذلك في الابتداء فلو ثبتت الفطرة في ذمة إنسان بعنا خادمه, ومسكنه فيها لأنها بعد الثبوت: التحقت بالديون. قال في شرح المهذب: وأن تكون الحاجة إلى الخادم لخدمته, أو خدمة من تلزمه خدمته ليخرج ما لو احتاج إليه لعمله في أرضه, أو ماشيته, فإن الفطرة تجب. قال الأسنوي: ولا بد أن يكونا لائقين به. الرابع: نكاح الأمة, وهل يباعان ويصرف ثمنهما إلى نكاح الحرة أو يحل له نكاحها ويبقيان؟ وجهان أصحهما في زوائد الروضة: الثاني. الخامس: المحاقلة ولا يباعان فيها جزم به في الروضة وأصلها. السادس: التفليس, ويباعان فيه سواء احتاج إلى الخادم لزمانة ومنصب أم لا وفي قول مخرج من الكفارة: لا يباعان إذا احتاج إليهما. والفرق على الأول: أن للكفارة بدلا وأن حقوق الآدميين أضيق. وفي ثالث: يباع الخادم دون المسكن; لأنه أولى بالإبقاء من الخادم. السابع: نفقة الزوجة, ويباعان فيها كالدين. الثامن: نفقة القريب ويباعان فيها كالدين وفيها الوجه الذي فيه. وفي كيفية بيع العقار: وجهان في الروضة وأصلها بلا ترجيح: أحدهما: تباع كل يوم جزء بقدر الحاجة. والثاني: يقترض عليه إلى أن يجتمع ما يسهل بيع العقار له; لأن ذلك يشق ورجح البلقيني الثاني, فإنه الراجح في نظيره من العبد. قال الأذرعي: واعلم أن التسوية بين نفقة القريب, والدين مشكل جدا ولم أجد دليلا, ولا نصا للشافعي على بيع ما لا بد منه من مسكن, وخادم لا يستغنى عنه. قال: والأرجح المختار: ما قاله القاضي حسين: أنه لا يباعان هنا وإن قلنا: يباعان في الدين. قال: نعم لو اقترض الحاكم عليه لغيبته, ونحوها صار دينا عليه, فيباعان فيه كسائر الديون. التاسع: سراية العتق, ويباعان فيها كالدين جزم به في الروضة وأصلها: العاشر: الحج, ولا يباعان إن لاقا به بل أو كان معه نقد صرف إليهما كالكفارة وقيل: يباعان كالدين فإن كانا غير لائقين, ولو أبدلا لوفى التفاوت بمؤنة الحج وجب إبداله, كذا أطلقه الأصحاب, ولم يفرقوا بين المألوفين وغيرهما. قال الرافعي: ولا بد من ذلك, كالكفارة. ثم فرق في الشرح الصغير, وتبعه النووي في الروضة, وشرح المهذب: بأن للكفارة بدلا, بخلاف الحج. قال الأسنوي: وهو منتقض بالرتبة الأخيرة منها, فإنه لا بدل لها. وبالفطرة, فإنه لا بد لها, مع أنها كالحج فيما نقله عن الإمام. الحادي عشر: الكفارة فإن لاقا, لم يباعا, بلا خلاف. ولا يجري الوجه الذي في الحج لأن لها بدلا وإن لم يكونا لائقين لزم الإبدال. وصرف التفاوت إلى العتق إن لم يكونا مألوفين فإن ألفا فلا في الأصح لمشقة مفارقة المألوف. الثاني عشر: الزكاة ولا يسلبان اسم الفقر, كما نقله الرافعي في المسكن عن التهذيب, وغيره قال: لم يتعرضوا له في الخادم وهو في سائر الأصول ملحق بالمسكن. واستدرك عليه في الروضة: أن ابن كج صرح في التجريد بأنه كالمسكن, وهو متعين. قال في المهمات: وصرح به أيضا في النهاية, إلا أنه اغتفرهما في المسكن, دون الفقير. فقال: إن المسكن والخادم: لا يمنع اسم المسكنة بخلاف الفقر. قال: واغتفار الرافعي لهما في الفقر, يلزم منه الاغتفار في المسكن بطريق الأولى. قال السبكي: وإطلاق المسكن والخادم يقتضي أنه لا فرق بين اللائق, وغيره. قال ابن النقيب: وفيه نظر. ولو لم يكن له عبد ومسكن, واحتاج إليهما, ومعه ثمنهما. قال السبكي: لم أر فيه نقلا, ويظهر أنه كوفاء الدين. وقد قال الرافعي فيما لو كان عليه دين, ومعه ما يوفيه به لا غيره بما يوفيه به كما في نفقة القريب, والفطرة. وقال أيضا في الغارم الذي يعطى من الزكاة: هل يعتبر في فقره مسكنه, وخادمه؟ ظاهر عبارة الأكثرين اعتبار ذلك وربما صرحوا به. وفي بعض شروح المفتاح: أنه لا يعتبر المسكن, والملبس, والفراش, والآنية, وكذا الخادم, والمركوب إن اقتضاها حاله. قال: وهذا أقرب. تنبيهان: الأول: قال في المهمات, في الحج: تعبير الرافعي بالعبد للاحتراز عن الجارية النفيسة المألوفة فإنها إن كانت للخدمة, فهي كالعبد, وإن كانت للاستمتاع. لم يكلف بيعها جزما لما يؤدي إليه تعلقه بها من الضرر الظاهر. قال: وهذا التفصيل لم أره, ولكن لا بد منه. قلت: نقله الأذرعي عن تصريح الدارمي; وزاد: إن كان له أخرى للخدمة فإن أمكن التي للاستمتاع أن تخدم باع التي للخدمة, وإلا فلا. الثاني: قال في المهمات في الحج: مقتضى إطلاق الرافعي, وغيره: أنه لا فرق في اعتبار المسكن والخادم بين المرأة المكفية بإخدام الزوج, وإسكانه, وبين غيرها وهو متجه لأن الزوجية قد تنقطع فتحتاج إليهما. قال: وكذلك اعتبار المسكن بالنسبة إلى المتفقهة, والصوفية الذين يسكنون بيوت المدارس والربط. وقال السبكي في الزكاة: لو اعتاد السكنى بالأجرة, أو في المدرسة; فالظاهر: خروجه عن اسم الفقر بثمن المسكن. الثالث: قال البلقيني: لا يباع المسكن, والخادم في الحجر على الغريب قطعا; لإمكان الوفاء من غيره. وقد قلت في الخلاصة, جامعا هذه النظائر: اضطرب المسكن والخادم في *** حكمهما فالمنع للبيع قف هنا وفي عاقلة والستره *** وفي نكاح أمة والفطرة والبيع في التفلس والإنفاق *** للزوج والقريب والإعتاق في الحج والتكفير إن لاقا فلا *** ثم لذي الحج النفيس أبدلا ولو لمألوف وفي التكفير *** إن لم يكن يؤلف في الشهير وليس يمنعان وصف الفقر *** ولا التي للوطء في ذا تجري كتب الفقيه, وسلاح الجندي, وآلة الصانع: ذكرت في مواضع: أحدها: الزكاة. قال النووي في شرح المهذب والروضة نقلا عن الغزالي في الإحياء: لو كان له كتب فقه لم تخرجه عن المسكنة: يعني والفقر. قال: ولا تلزمه زكاة الفطر, وحكم كتابه حكم أثاث البيت; لأنه محتاج إليه. قال: لكن ينبغي أن يحتاط في فهم الحاجة إلى الكتاب. فالكتاب يحتاج إليه لثلاثة أغراض: التعليم, والتفرج بالمطالعة, والاستفادة. فالتفرج: لا يعد حاجة, كاقتناء كتب الشعر, والتواريخ, ونحوها مما لا ينتفع به في الآخرة ولا في الدنيا. فهذا يباع في الكفارة وزكاة الفطر, ويمنع اسم المسكنة. وأما حاجة التعليم: فإن كان للكسب كالمؤدب, والمدرس بأجرة, فهذه آلته فلا تباع في الفطرة: كآلة الخياط. وإن كان يدرس لقيام فرض الكفاية لم يبع, ولا يسلبه اسم المسكنة; لأنها حاجة مهمة. وأما حاجة الاستفادة والتعلم من الكتاب, كادخاره كتاب طب ليعالج به نفسه أو كتاب وعظ ليطالعه ويتعظ به, فإن كان في البلد طبيب وواعظ, فهو مستغن عن الكتاب, وإن لم يكن, فهو محتاج. ثم ربما لا يحتاج إلى مطالعته إلا بعد مدة. قال: فينبغي أن يضبط, فيقال: ما لا يحتاج إليه في السنة, فهو مستغن عنه. فيقدر حاجة أثاث البيت وثياب البدن بالسنة, فلا تباع ثياب الشتاء في الصيف, ولا ثياب الصيف في الشتاء, والكتب بالثياب أشبه. وقد يكون له من كل كتاب نسختان, فلا حاجة له إلا إلى إحداهما. فإن قال: إحداهما أصح, والأخرى حسن. قلنا: اكتف بالأصح وبع الأخرى. وإن كان له كتابان من علم واحد أحدهما: مبسوط والآخر: وجيز. فإن كان مقصوده: الاستفادة, فليكتف بالمبسوط. وإن كان قصده التدريس: احتاج إليهما. هذا آخر كلام الغزالي. قال النووي: وهو حسن, إلا قوله "في كتاب الوعظ" إنه يكتفي بالواعظ, فليس كما قال; لأنه ليس كل أحد ينتفع بالواعظ, كانتفاعه في خلوته على حسب إرادته. قلت: وكذا قوله في كتاب الطب: إنه يكتفي بالطبيب, ينبغي أن يكون محله إذا كان في البلد طبيب متبرع. فإن لم يكن إلا بأجرة, لم يكلف بيع الكتاب والاستئجار عند الحاجة. الموضع الثاني: الحج: قال في شرح المهذب: لو كان فقيها وله كتب فهل يلزمه بيعها للحج؟. قال القاضي أبو الطيب: إن لم يكن له بكل كتاب إلا نسخة واحدة, لم يلزمه لأنه محتاج إلى كل ذلك وإن كان له نسختان لزمه بيع إحداهما, فإنه لا حاجة به إليهما. وقال القاضي حسين: يلزم للفقيه بيع كتبه في الزاد والراحلة. قال: وهذا الذي قاله ضعيف, وهو تفريع منه على طريقته الضعيفة في وجوب بيع المسكن والخادم للحج. قال: فالصواب ما قاله أبو الطيب, فهو الجاري على قاعدة المذهب, وعلى ما قاله الأصحاب هنا في المسكن والخادم, وعلى ما قالوه في باب الكفارة, وباب التفليس. ا هـ. الموضع الثالث: الدين. قال الأسنوي في باب التفليس: رأيت في زيادات العبادي أنه يترك للعالم, ولم أر ما يخالفه. وذكر النووي في الحج في شرح المهذب ما يقتضيه, ونقل كلام العبادي في قسم الصدقات وأقره.
قال البلقيني: الفرق بين الشرط والتعليق: أن التعليق ما دخل على أصل الفعل فيه بأداته: كإن, وإذا. والشرط ما جزم فيه بالأول, وشرط فيه أمر آخر. قاعدة: الشرط: إنما يتعلق بالأمور المستقبلة: أما الماضية, فلا مدخل له فيها, ولهذا لا يصح تعليق الإقرار بالشرط, لأنه خبر عن ماضي, ونص عليه. ولو قال: يا زانية, إن شاء الله, فهو قاذف لأنه خبر عن ماضي فلا يصح تعليقه بالمشيئة. ولو فعل شيئا, ثم قال: والله ما فعلته إن شاء الله. حنث كما قال: الزركشي في قواعده, وخطأ البارزي في فتواه بعدم الحنث. قاعدة: أبواب الشريعة كلها على أربعة أقسام: أحدها: ما لا يقبل الشرط, ولا التعليق: كالإيمان بالله, والطهارة, والصلاة والصوم إلا في صور تقدم استثناؤها في أول الكتاب, والضمان والنكاح, والرجعة والاختيار, والفسوخ. والثاني: ما يقبلهما كالعتق, والتدبير والحج. الثالث: ما لا يقبل التعليق, ويقبل الشرط كالاعتكاف, والبيع في الجملة, والإجارة, والوقف, والوكالة. الرابع: عكسه: كالطلاق, والإيلاء, والظهار, والخلع. قاعدة: ما كان تمليكا محضا لا مدخل للتعليق فيه قطعا, كالبيع وما كان حلا محضا يدخله قطعا, كالعتق. وبينهما مراتب يجري فيها: كالفسخ, والإبراء: يشبهان التمليك وكذا الوقف, وفيه شبه يسير بالعتق فجرى وجه ضعيف. والجعالة, والخلع: التزام يشبه النذر, وإن ترتب عليه ملك. ضابط: ما قبل التعليق لا فرق فيه بين الماضي والمستقبل إلا في واحدة. وهي: إن كان زيد محرما أحرمت, فإنه يصح, بخلاف إذا أحرم أحرمت فلا يصح. ضابط: ليس لنا خروج من عبادة بشرط, إلا في الاعتكاف, والحج. قاعدة: الشروط الفاسدة: تفسد العقود إلا البيع بشرط البراءة من العيوب, والقرض بشرط رد مكسر عن صحيح أو أن يقرضه شيئا آخر, على الأصح فيهما. ضابط: لا يقبل البيع التعليق, إلا في صور: الأولى: بعتك إن شئت. الثانية: إن كان ملكي, فقد بعتكه. ومنه مسالة اختلاف الوكيل والموكل فيقول: إن كنت أمرتك بعشرين فقد بعتكها بها. الثالثة: البيع الضمني: كأعتق عبدك عني على مائة إذا جاء رأس الشهر. ولا يقبل الإبراء التعليق, إلا في صور: الأولى: إن رددت عبدي فقد أبرأتك, صرح به المتولي. الثانية إذا مت فأنت في حل فهو وصية. كما في فتاوى ابن الصلاح.
الثالثة: أن يكون ضمنا, لا قصدا. كما إذا علق عتقه, ثم كاتبه. فوجدت الصفة عتق, وتضمن ذلك الإبراء من النجوم, حتى يتبعه أكسابه, ولو لم يتضمنه. تبعه كسبه. قاعدة: من ملك التنجيز ملك التعليق ومن لا فلا. واستثنى الزركشي في قواعده من الأول: الزوج يقدر على تنجيز الطلاق والتوكيل فيه ولا يقدر على التوكيل في التعليق, إذا منعنا التوكيل فيه. ومن الثاني: صور يصح فيها التعليق, لمن لا يملك التنجيز. منها: العبد لا يقدر على تنجيز الطلقة الثالثة, ويملك تعليقها إما مقيدا بحال ملكه كقوله: إن عتقت, فأنت طالق ثلاثا, أو مطلقا: كإن دخلت, فأنت طالق ثلاثا ثم دخلت بعد عتقه فتقع الثالثة على الأصح. ومنها: يجوز تعليق طلاق السنة في الحيض: وطلاق البدعة في طهر لم يمسها فيه وإن كان لا يتصور تنجيز ذلك في هذه الحالة. قاعدة: ما قبل التعليق من التصرفات صح إضافته إلى بعض محل ذلك التصرف, كالطلاق والعتق, والحج وما لا فلا: كالنكاح; والرجعة, والبيع. واستثنى الإمام من الأول: الإيلاء, فإنه يقبل التعليق ولا يصح إضافته إلى بعض المحل إلا الفرج. ولا استثناء في الحقيقة, لصدق إضافته إلى البعض. واستدرك البارزي: الوصية يصح تعليقها, ولا تصح إضافتها إلى بعض المحل. ويستثنى من الثاني صور: منها: الكفالة, والقذف.
فيه قواعد: الأولى: الاستثناء من النفي: إثبات, ومن الإثبات: نفي. فلو قال: أنت طالق ثلاثا إلا اثنين إلا واحدة, فالمشهور: وقوع طلقتين نظائره في الطلاق, والأقارير كثيرة. واستشكل على القاعدة. مسألة: من قال: والله لا لبست ثوبا إلا الكتان, فقعد عريانا, فإنه لا يلزمه شيء. ومقتضى القاعدة: أنه حلف على نفي ما عدا الكتان, وعلى إثبات لبس الكتان وما لبسه, فيحنث. وأجاب ابن عبد السلام: بأن سبب المخالفة أن الأيمان تتبع المنقولات, دون الأوضاع اللغوية, وقد انتقلت "إلا" في الاستثناء في الحلف إلى معنى الصفة. مثل:"سواء" "وغير" فيصير معنى حلفه: والله لا لبست ثوبا غير الكتان, ولا يكون الكتان محلوفا عليه, فلا يضر تركه, ولا لبسه. ونظير هذه المسألة مسألة: والله لا أجامعك في السنة إلا مرة فمضت ولم يجامعها أصلا فحكى ابن كج فيها وجهان: أحدهما: تلزمه الكفارة; لأن الاستثناء من النفي إثبات ومقتضى يمينه: أن يجامع مرة ولم يفعل فيحنث. والثاني: لا, وصححه في الروضة, لأن المقصود باليمين: أن لا يزيد على الواحدة, فرجع ذلك إلى أن العرف يجعل إلا بمعنى غير. الثانية: الاستثناء المبهم في العقود باطل. ومن فروعه: بعتك الصبرة إلا صاعا, ولا يعلم صيعانها, وبعتك الجارية إلا حملها, فإنه باطل. أما الأقارير, والطلاق: فيصح ويلزمه البيان. مثل: له علي مائة درهم إلا شيئا ونسائي طوالق, إلا واحدة منهن. ضابط: لا يصح استثناء منفعة العين إلا في الوصية, يصح أن يوصي برقبة عين لرجل, ومنفعتها لآخر. الثالثة: الاستثناء المستغرق باطل وفروعه لا تحصى. وينبغي استثناء ذلك في الوصية, فإنه يصح ويكون رجوعا عن الوصية فيما يظهر. الرابعة: الاستثناء الحكمي, هل هو كالاستثناء اللفظي؟ على أربعة أقسام: أحدها: ما لا يؤثر قطعا, ولو تلفظ به ضر. كما لو باع الموصى بما يحدث من حملها وثمرتها, فإنه يصح وهي مستثناة شرعا. ولو باع واستثناها لفظا لم يصح. الثاني: ما يؤثر قطعا, كما لو تلفظ به كبيع دار المعتدة بالأقراء, والحمل. الثالث: ما يصح في الأصح ولو صرح باستثنائها بطل كبيع دار المعتدة بالأشهر والعين المستأجرة. الرابع: ما يبطل في الأصح, كبيع الحامل بحر, وبحمل لغير مالكها, كما لو باع الجارية إلا حملها.
مسائل الدور هي: التي يدور تصحيح القول فيها إلى إفساده, وإثباته إلى نفيه. وهي: حكمي, ولفظي. فالأول: ما نشأ الدور فيه من حكم الشرع. والثاني: ما نشأ من لفظة يذكرها الشخص. وأكثر ما يقع الدور في مسائل الوصايا والعتق ونحوها. وقد أفرد فيها الأستاذ أبو منصور البغدادي كتابا حافلا, وأفرد كتابا فيما وقع منه في سائر الأبواب. وها أنا أورد لك منه نظائر, مفتتحا بمسألة الطلاق المشهورة. مسألة: قال لها: إن, أو إذا, أو متى, أو مهما طلقتك, فأنت طالق قبله ثلاثا, ثم طلقها. فثلاثة أوجه: أحدها: لا يقع عليها طلاق أصلا, عملا بالدور وتصحيحا له; لأنه لو وقع المنجز لوقع قبله ثلاث, وحينئذ فلا يقع المنجز للبينونة. وحينئذ: لا يقع الثلاث لعدم شرطه, وهو التطليق. والثاني: يقع المنجز فقط. والثالث: يقع ثلاث تطليقات: المنجزة, وطلقتان من المعتق إن كانت مدخولا بها. واختلف الأصحاب في الراجح من الأوجه, فالمعروف عن ابن سريج: الوجه الأول وهو أنه لا يقع الطلاق, وبه اشتهرت المسألة "بالسريجية", وبه قال ابن الحداد والقفالان, والشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب, والروياني, والشيخ أبو علي, والشيخ أبو إسحاق الشيرازي, والغزالي. وعن المزني أنه قال به في كتاب المنثور, وحكاه صاحب الإفصاح عن نص الشافعي وأنه مذهب زيد بن ثابت. ورجح الثاني ابن القاص, وأبو زيد وابن الصباغ, والمتولي, والشريف ناصر العمري, ورجع إليه الغزالي آخرا. قال الرافعي: ويشبه أن تكون الفتوى به أولى, وصححه في المحرر, وتابعه النووي في المنهاج, وتصحيح التنبيه. وقال الأسنوي في التنقيح, والمهمات في الوجه الأول: إذا كان صاحب مذهبنا قد نص عليه, وقال به أكثر الأصحاب, خصوصا: الشيخ أبو حامد شيخ العراقيين والقفال: شيخ المراوزة, كان هو الصحيح. ونقله أيضا في النهاية عن معظم الأصحاب. ونصره السبكي أولا, وصنف فيه تصنيفين, ثم رجع عنه. وأكثر ما رد به: أن فيه باب الطلاق, وليس بصحيح, فإن الحيلة فيه حينئذ: أن يوكل وكيلا يطلقها, فإنه يقع, ولا يعارضه المعلق, بلا خلاف; لأنه لم يطلقها. وإنما وقع عليها طلاقه. فإن عبر بقوله: إن وقع عليك طلاقي, استوت الصورتان. وذكر ابن دقيق العيد: أن الحيلة في حل الدور: أن يعكس, فيقول: كلما لم يقع عليك طلاقي, فأنت طالق قبله ثلاثا, فإذا طلقها وجب أن يقع الثلاث; لأن الطلاق القبلي والحالة هذه معلق على النقيضين, وهو الوقوع وعدمه. وكل ما كان لازما للنقيضين, فهو واقع ضرورة. ويشبهه قولهم في الوكالة: كلما عزلتك, فأنت وكيلي. نفاذ العزل: أن يقول: كلما عدت وكيلي, فأنت معزول, ثم يعزله. ذكر نظائر هذه المسألة: قال: إن آليت منك, أو ظاهرت منك, أو فسخت بعيبك; أو لاعنتك, أو راجعتك فأنت طالق قبله ثلاثا, ثم وجد المعلق به: لم يقع الطلاق وفي صحته الأوجه. قال: إن فسخت بعيني أو إعساري, أو استحقيت المهر بالوطء, أو النفقة, أو القسم, فأنت طالق قبله ثلاثا, ثم وجد نفذ الفسخ, وثبت الاستحقاق, وإن ألغينا الطلاق المنجز; لأن هذه فسوخ وحقوق تثبت قهرا, ولا تتعلق بمباشرته واختياره فلا يصلح تصرفه دافعا لها, ومبطلا لحق غيره. قال: إن وطئتك وطئا مباحا فأنت طالق قبله, ثم وطئ لم تطلق قطعا. إذ لو طلقت: لم يكن الوطء مباحا, وليس هنا سد باب الطلاق. قال: متى وقع طلاقي على حفصة فعمرة طالق قبله ثلاثا, ومتى وقع طلاقي على عمرة فحفصة طالق قبله ثلاثا ثم طلق إحداهما لم تطلق هي ولا صاحبتها. فلو ماتت عمرة ثم طلق حفصة طلقت; لأنه لا يلزم حينئذ من إثبات الطلاق نفيه. قال زيد لعمرو: متى وقع طلاقك على امرأتك فزوجتي طالق قبله ثلاثا وقال عمرو لزيد مثل ذلك, لم يقع طلاق كل واحد على امرأته مادامت زوجة الآخر في نكاحه. قال لها: متى دخلت وأنت زوجتي فعبدي حر قبله وقال لعبده: متى دخلت وأنت عبدي, فامرأتي طالق قبله ثلاثا, ثم دخلا معا لم يعتق ولم تطلق. قال الإمام: ولا يخالف أبو زيد في هذه الصورة; لأنه ليس فيه سد باب التصرف. قال له: متى أعتقتك فأنت حر قبله ثم أعتقه. فعلى الثاني: يعتق وعلى الأول لا. قال: إن بعتك, أو رهنتك فأنت حر قبله, فباعه. فعلى الثاني: يصح, ولا عتق, وعلى الأول: لا. قال لغير مدخول بها: إن استقر مهرك علي فأنت طالق قبله ثلاثا, ثم وطئ. فعلى الأول: لا يستقر المهر بهذا الوطء; لأنه لو استقر بطل النكاح قبله, وإذا بطل النكاح سقط نصف المهر, وعلى الثاني يستقر ولا تطلق. قال: أنت طالق ثلاثا قبل أن أخالعك بيوم على ألف تصح لي ثم خالعها على ألف. فعلى الأول: لا يصح الخلع, وعلى الثاني يصح, ويقع ولا يقع الطلاق المعلق. قال: إن وجبت علي زكاة فطرك, فأنت حر وطالق قبل وجوبها. فعلى الأول: لا تجب زكاة فطره وفطرها. وعلى الثاني: تجب; ولا يعتق ولا تطلق. ذكره الأستاذ أبو منصور.
مسائل الدور في العبادات: مسألة: قال الأستاذ أبو منصور: قول الأصحاب إن النجاسات لا تطهر بشيء من المائعات سوى الماء لأن وقوع التطهير بها يؤدي إلى وقوع التنجيس بها; لأن أبا حنيفة وافق على أن الخل إذا غسل به شيء, صار الخل نجسا.
مسألة: متطهران: وجد بينهما ريح شك كل واحد منهما في وجوده منه فلكل أن يصلي منفردا أو إماما, وليس لأحدهما أن يقتدي بالآخر; لأنا لو صححنا اقتداءه به مع الحدث جعلنا إمامه طاهرا, وإذا كان الإمام طاهرا, تعين الحدث في المأموم; لأن أحدهما. محدث, وإذا صار محدثا لم يصح اقتداؤه مع الحدث. فكان في صحة الاقتداء فساده, وكذلك مسألة الإناءين وأشباهها.
مسألة: سها إمام الجمعة وعلم أنه إن سجد للسهو خرج الوقت لا يسجد لأن تصحيح سجود السهو حينئذ يؤدي إلى إبطاله لأن الجمعة تبطل بخروج وقتها. وإذا بطلت: بطل سجود السهو.
مسألة: من دخل الحرم من غير إحرام, لا يلزمه القضاء لأن لزومه يؤدي إلى إسقاط لزومه لأنا إذا ألزمناه القضاء, وجب عليه دخول الحرم, فيلزمه إحرام مختص به, فيقع ما أحرم به عنه لا عن القضاء, فكان إيجابه مؤديا إلى إسقاطه. ذكر هذه المسائل: الأستاذ أبو منصور في كتابه.
مسألة: في أمثلة من الدور الحكمي: لو أذن لعبده: أن يتزوج بألف, وضمن السيد الألف ثم باع العبد من الزوجة قبل الدخول بتلك الألف بعينها لم يصح البيع. لأنا لو صححنا البيع ملكته, وإذا ملكته بطل النكاح. وإذا بطل النكاح من قبلها سقط المهر, وإذا سقط المهر: بطل الثمن, وإذا بطل الثمن المعقود عليه بعينه بطل البيع ففي إجازة البيع إبطاله. قال أبو علي الزجاجي: ولهذه المسألة نظائر كثيرة. منها: لو شهد رجلان على رجل أنه أعتق عبديه: سالما وغانما; فحكم بعتقهما ثم شهدا بفسق الشاهدين لم يقبل لأنها لو قبلت عادا رقيقين وإذا عادا رقيقين بطلت شهادتهما فقبول شهادتهما يؤدي إلى إبطالها, فأبطلناها. ومنها: لو مات وخلف ابنا وعبدين, قيمتهما ألف. فأعتقهما الابن فشهدا على الميت بألف دينا لم تقبل شهادتهما; لأنها لو قبلت, عادا رقيقين, فيكون في إجازة شهادتهما إبطالها. منها: لو مات عن أخ وعبدين, فأعتقهما الأخ, فشهدا بابن للميت, لم تقبل, لما ذكر. ومنها: لو زوج أمته من عبد, وأعتقها في مرضه بعد قبض مهرها قبل الدخول, ولا يخرج من الثلث إلا بضم المهر إلى التركة, فلا يثبت لها خيار العتق لأنه لو ثبت وجب رد المهر, فلا تخرج كلها من الثلث, فلا تعتق كلها وإذا رق بعضها, فلا خيار لها ففي إثبات الخيار لها إبطاله. ومنها: لو قال لأمته: إن زوجتك فأنت حرة فزوجها, لم تعتق لأن في عتقها إبطاله; لأنا لو قلنا بعتقها في ذلك اليوم بطل تزويجها, وإذا بطل تزويجها بطل عتقها, فثبت النكاح ولا عتق. قلت: ونظيرها ما لو قال, إن بعتك فأنت حر. ومنها: لو ادعى المقذوف بلوغ القاذف وأنكر ولا بينة, لم يحلف القاذف أنه غير بالغ; لأن في الحكم بيمينه إبطالها; إذ اليمين من غير البالغ لا يعتد بها. ومنها: لو دفع إلى رجل زكاة فاستغنى بها, لم يسترجع منه لأن الاسترجاع منه يوجب دفعها ثانيا لأنه يصير فقيرا بالاسترجاع. قال الزجاجي: والأصل في هذه المسائل كلها قوله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً} فعير من نقض شيئا بعد أن أثبته, فدل على أن كل ما أدى إثباته إلى نقضه باطل.
|